فصل: فوائد بلاغية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)} سورة البقرة.
لماذا ذكر الحق سبحانه وتعالى القلب ووصفه بأنه يقسو ولم يقل نفوسكم- لأن القلب هو موضوع الرقة والرحمة والعطف.. وإذا ما جعلنا القلب كثير الذكر لله فإنه يمتلئ رحمة وعطفا.. والقلب هو العضو الذي يحسم مشاكل الحياة.. فإذا كان القلب يعمر باليقين والإيمان.. فكل جارحة تكون فيها خميرة الإيمان. وحتى نعرف قوة وقدرة وسعة القلب على الإيمان واحتوائه أوضح الله تعالى هذا المعنى في كتابه العزيز حيث يقول: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} سورة الزمر.
وهكذا نرى أن الجلود تقشعر من هول الوعيد بالنار.. ومجرد قراءة ما ذكره القرآن عنها.. وبعد ذلك تأتي الرحمة، وفي هذه الحالة لا تلين الجلود فقط ولكن لابد أن تلين القلوب لأنها هي التي تعطي اللمحة الإيمانية لكل جوارح الجسد.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا وإن في الجسد مضغطة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». رواه البخارى ومسلم.
إذن فالقلب هو منبع اليقين ومصب الإيمان، وكما أن الإيمان في القلب فإن القسوة والكفر في القلب.. فالقلب حينما ينسى ذكر الله يقسو.. لماذا؟.. لأنه يعتقد أنه ليس هناك إلا الحياة الدنيا وإلا المادة فيحاول أن يحصل منها على أقصى ما يستطيع وبأي طريقة فلا تأتي إلا بالظلم والطغيان وأخذ حقوق الضعفاء، ثم لا يفرط فيها أبدا لأنها هي منتهى حياته فلا شيء بعدها. أنه يجد إنسانًا يموت أمامه من الجوع ولا يعطيه رغيفا.. وإذا خرج الإيمان من القلب خرجت منه الرحمة وخرج منه كل إيمان الجوارح.. فلمحة الإيمان التي في اليد تخرج فتمتد اليد إلي السرقة والحرام.. ولمحة الإيمان التي في العين تخرج فتنظر العين إلي كل ما حرم الله. ولمحة الإيمان التي في القدم تخرج فلا تمشي القدم إلي المسجد أبدا ولكنها تمشي إلي الخمارة وإلي السرقة.. لأنه كما قلنا القلب مخزن الإيمان في الجسم.
ويشبه الحق تبارك وتعالى قسوة قلوبهم فيقول: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة}.. الحجارة هي الشيء القاسي الذي تدركه حواسنا ومألوف لنا ومألوف لبني إسرائيل أيضا.. لأن لهم مع الحجارة شوطا كبيرا عندما تاهوا في الصحراء.. وعندما عطشوا وكان موسى يضرب لهم الحجر بعصاه. الله تبارك وتعالى لفتهم إلي أن المفروض أن تكون قلوبهم لينة ورفيقة حتى ولو كانت في قسوة الحجارة.. ولكن قلوبهم تجاوزت هذه القسوة فلم تصبح في شدة الحجارة وقسوتها بل هي أشد. ولكن كيف تكون القلوب أشد قسوة من الحجارة.. لا تنظر إلي ليونة مادة القلوب ولكن انظر إلي أدائها لمهمتها.
الجبل قسوته مطلوبة لأن هذه مهمته أن يكون وتدًا للأرض صلبا قويا، ولكن هذه القسوة ليست مطلوبة من القلب وليست مهمته.. أما قلوب بني إسرائيل فهي أشد قسوة من الجبل.. والمطلوب في القلوب اللين، وفي الحجارة القسوة.. فكل صفة مخلوقة لمخلوق ومطلوبة لمهمة.. فالخطاف مثلا أعوج هذا العوج يجعله يؤدي مهمته على الوجه الأكمل.. فعوج الخطاف استقامة لمهمته.. وحين تفسد القلوب وتخرج عن مهمتها تكون أقسى من الحجارة.. وتكون على العكس تماما من مهمتها.. ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء} من الآية 74 سورة البقرة.
هنا يذكرهم الله لما رأوه من الرحمة الموجودة في الحجارة.. عندما ضرب موسى الحجر بالعصا فانفجرت منه العيون. وذلك مثل حسي شهدوه. يقول لهم الحق جل جلاله: أن الرحمة تصيب الحجارة فيتفجر منها الأنهار ويخرج منها الماء ويقول سبحانه: {وإن منها لما يهبط من خشية الله}.. إذن فالحجارة يصيبها اللين والرحمة فيخرج منها الماء. ولكن قلوبكم إذا قست لا يصيبها لين ولا رحمة فلا تلين أبدا ولا تخشع أبدا. والله سبحانه وتعالى نزل عليكم التوراة وأعطاكم من فضله ورحمته وستره ومغفرته الكثير.. كان المفروض أن تلين قلوبكم لذكر الله.
ولكن ما الفرق بين تفجر الأنهار من الحجارة وبين تشققها ليخرج منها الماء؟ عندما تتفجر الحجارة يخرج منها الماء. نحن نذهب إلي مكان الماء لنأخذ حاجتنا.. ولكن عندما تتفجر منها الأنهار فالماء هو الذي يأتي إلينا ونحن في أماكننا.. وفرق بين عطاء تذهب إليه وعطاء يأتي إليك.. أما هبوط الحجر من خشية الله فذلك حدث عندما تجلى الله للجبل فجعله دكا. واقرأ قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا} من الآية 143 سورة الأعراف.
يذكرهم الحق سبحانه كيف أن الجبل حين تجلى الله له هبط وانهار من خشية الله. وهكذا لا يعطيهم الأمثلة مما وقع لهم.
وقوله تعالى: {وما الله بغافل عما تعملون} أي تذكروا أن الله سبحانه وتعالى لا يغيب عنه شيء وأن كل ما تعلمونه يعرفه وأنكم ملاقونه يوم القيامة ومحتاجون إلي رحمته ومغفرته، فلا تجعلوا قلوبكم تقسو حتى لا يطردكم الله من رحمته كما خلت قلوبكم من ذكره. اهـ.

.فوائد بلاغية:

أولا: قوله تعالى: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} من إيجاز القرآن وإبداعه أن حذف من صدر هذه الجملة، جملتين مفهومتين من نظم الكلام والتقدير: فطلبوا البقرة الجامعة للأوصاف السابقة، وحصلوها، فلما اهتدوا إليها ذبحوها، وهذا من الإيجاز بالحذف اللطيف، لأن الفهيم يدركه.
ثانيا: قوله تعالى: {والله مخرج ما كنتم تكتمون} هذه الجملة اعتراضية بين قوله: {فادارأتم} وقوله: {فقلنا اضربوه} والجملة المعترضة بين ما شأنهما الاتصال، تجيء تحلية يزداد بها الكلام البليغ حسنًا، وفائدة الاعتراض هنا إشعار المخاطبين بأن الحقيقة ستنجلي لا محالة.
ثالثا: {ثم قست قلوبكم} وصف القلوب بالصلابة والغلظ، يراد منه نبوها عن الاعتبار، وعدم تأثرها بالمواعظ والنصائح، ففيه استعارة تصريحية، قال أبو السعود: القسوة عبارة عن الغلظ والجفاء والصلابة كما في الحجر، استعيرت لنبو قلوبهم عن التأثر بالعظات، والقوارع التي تميع منها الجبال، وتلين بها الصخور.
رابعا: {فهي كالحجارة} فيه تشبيه يسمى مرسلا مجملا لأن أداة التشبيه مذكورة وهي الكاف، ووجه الشبه محذوف وهو الصلابة والقسوة.
خامسا: {لما يتفجر منه الأنهار} أي ماء الأنهار، والعرب يطلقون اسم المحل كالنهر، على الحال فيه كالماء، والقرينة ظاهرة لأن التفجر إنما يكون للماء ويسمى هذا مجازًا مرسلا.!

.الفوائد:

الفائدة الأولى: نبه قوله تعالى: {قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} على أن الاستهزاء بأمر من أمور الدين جهل كبير، وقد منع المحققون من أهل العلم استعمال الآيات، كأمثال يضربونها في مقام المزاح والهزل، وقالوا إنما أنزل القرآن للتدبر والخشوع، لا للتسلي والتفكه والمزاح، ويخشى على من فعل ذلك من الكفر، لقوله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.
الثانية: الخطاب في قوله: {وإذ قتلتم نفسا} لليهود المعاصرين للنبى ص وقد جرى على الأسلوب المعروف في مخاطبة الأقوام، إذ ينسب إلى الخلف ما فعل السلف، إذا كانوا سائرين على نهجهم، راضين بفعلهم، وفيه توبيخ وتقريح للغابرين والحاضرين.
الثالثة: هذه الواقعة واقعة قتل النفس جرت قبل أمرهم بذبح البقرة، وإن وردت في الذكر بعده، والسر في ذلك: التشويق إلى معرفة السبب في ذبح البقرة، والتكرير في التقريع والتوبيخ، قال العلامة أبو السعود: وإنما غير الترتيب لتكرير التوبيخ وتثنية التقريع، فإن كل واحد من قتل النفس المحرمة، والاستهزاء بموسى عليه السلام والافتيات على أمره، جناية عظيمة جديرة بأن تنعى عليهم.
الرابعة: ذكر تعالى إحياء الموتى في هذه السورة الكريمة في خمسة مواضع:
- الأول: في قوله: {ثم بعثناكم من بعد موتكم}.
- الثاني: وفي هذه القصة {فقلنا اضربوه ببعضها}.
- الثالث: في قصة القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت {فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم}.
- الرابع: في قصة عزير {فأماته الله مائة عام ثم بعثه}.
- الخامس: في قصة إبراهيم {رب أرني كيف تحي الموتى}؟.
الخامسة: {أو} في قوله تعالى: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} بمعنى بل أي بل أشد قسوة كقوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} أي بل يزيدون.
السادسة: ذهب بعض المفسرين إلى أن الخشية هنا حقيقية، وأن الله تعالى جعل لهذه الأحجار خشية بقدرها كقوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} وقال آخرون: بل هو من باب المجاز كقول القائل: قال الحائط للمسمار: لم تشقني؟ قال: سل من يدقني؟ فهو بطريق التمثيل لروعة التأثير حتى على الجماد، والله أعلم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك} قال: من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى، ومن بعدما أراهم من أمر القتيل.
{فهي كالحجارة أو أشد قسوة} ثم عذر الله الحجارة ولم يعذر شقي ابن آدم فقال: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله}.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإن من الحجارة} الآية. أي أن من الحجارة لألين من قلوبكم، لما تدعون إليه من الحق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: كل حجر يتفجر منه الماء، أو يشقق عن ماء أو يتردى من رأس جبل فمن خشية الله. نزل بذلك القرآن.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} قال: إن الحجر ليقع على الأرض، ولو اجتمع عليه كثير من الناس ما استطاعوه، وإنه ليهبط من خشية الله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {أَوْ أشَدُّ قَسْوَةً} {أو} هذه ك{أو} التي في قوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ} [البقرة: 19] فكل ما قبل ثمة يمكن القول به هنا، ولما قال أبو الأسود: الوافر:
أُحِبُّ مُحَمَّدًا حُبًّا شَديدًا ** وَعَبَّاسًا وَحَمْزَةَ أَوْ عَلِيًّا

اعترضوا عليه في قوله: {أو} التي تقتضي الشك، وقالوا له: أشككت؟ فقال: كلا، واستدل بقوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ} [سبأ: 24] فقال: أو كان شاكًّا من أخبر بهذا؟ وإنما قصد رحمه الله الإبهام على المخاطب.
و{أشَدّ} مرفوع لعطفه على محل {كَالحِجَارةِ} أي: فهي مِثْلُ الحجارة أو أشد.
والكاف يجوز أن تكون حرفًا فتتعلّق بمحذوف، وأن كون اسمًا فلا تتعلّق بشيء، ويجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوفًا أي: أو هي أشد.
و{قسوة} منصوب على التمييز؛ لأن الإبْهَامَ حصل في نسبة التفضيل إليهما، والمفضل عليه محذوف للدلالة عليه، أي: أشدّ قسوة من الحِجَارَةِ.
وقرئ: {أَشَدْ} بالفتح وَوَجْهُهَا: أنه عطفها على الحجارة أي: فهي كالحجارة أو كأشد منها.
قال الزمخشري موجهًا للرفع: و{أشد} معطوف على الكاف، إما على معنى: أو مثل أشد، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وتعضده قراءة الأعمش بنصب الدال عطفًا على {الحجارة} ويجوز على ما قاله أن يكون مجرورًا بالمضاف المحذوف ترك على حاله، كقراءة: {والله يُرِيدُ الآخرة} [الأنفال: 67] بجر {الآخرة} أي: ثواب الآخرة، فيحصل من هذا أن فتحه الدال يُحتمل أن تكون للنصب، وأن تكون للجر.
وقال الزمخشري أيضًا: فإن قلت: لم قيل: أشدُّ قسوة مما يَخْرُج منه أفعل التفضيل وفعل التعجب؟ يعني: أنه مستكمل للشروط من كونه ثلاثيًا تامًا غير لون ولا عاهة متصرفًا غير ملازم للنفي.
ثم قال: قلت: لكونه أبين وأدلّ على فرط القسوة، ووجهٌ آخر وهو ألاّ يقصد معنى الأقسى، ولكنه قصد وصف القسوة بالشدة، كأنه اشتدت قسوة الحجارة، وقلوبهم أشد قسوة.
وهذا الكلام حسن، إلا أن كون القسوة جوز بناء التعجّب منها فيه نظر من حيث إنها من الأمور الخِلْقِية أو من العيوب، وكلاهما ممنوع منه بناء البابين.
وقرئ: {قاسوة}.
قوله: {وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار}.
واعلم أنه سبحانه وتعالى فَضَّل الحجارة على قلوبهم بأنه قد يحصل في الحجارة أنواع من المنافع، ولا يوجد في قلوب هؤلاء شيء من المنافع.
فأولها: قوله: {وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار} واللاّم في {لَمَا} لام الابتداء دخلت على اسم {إن} لتقدم الخبر، وهو {من الحجارة}، وهي ما التي بمعنى الذي في محلّ النصب، ولو لم يتقدم الخبر لم يَجُزْ دخول اللام على الاسم؛ لئلاَّ يتوالى حَرْفًا تأكيد، وإن كان الأصل يقتضي ذلك، والضمير في منه يعود على ما حملًا على اللفظ.
قال أبو البقاء: ولو كان في غير القرآن لجاز {منها} على المعنى.
وهذا الذي قاله قد قرأ به أُبّي بن كعب والضحاك.
وقرأ مالك بن دينار {يَنْفَجِر} من الانفجار.
وقرأ قتادة: {وَإِنْ مِنَ الْحِجَارَةِ} بتخفيف {إنْ} من الثقيلة، وأتى باللام فارقة بينها وبين {إن} النافية، وكذلك: {وَإِنْ منْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ} و{إنْ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط}، وهذه القرءاة تحتمل أن تكون ما فيها في محل رفع وهو المشهور، وأن تكون في محلّ نصب؛ لأن {إنْ} المخففة سمع فيها الإعمال والإهمال، قال تعالى: {وَإِنَّ كُلًا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} [هود: 111] في قراءة من قرأه.
وقال في موضع آخر: {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا} [يس: 32] إلا أن المشهور الإهمال.
والتفجير: الفتح بالسّعة والكثرة؛ يقال: انفجرت قرحة فلان أي: انشقت بالمدّة، ومنه: الفَجْر والفُجُور.
قوله: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الماء} أي: وإنَّ من الحجارة لما يتصدّع، فينبع الماء منه فيكون عَيْنًا لا نهرًا جاريًا.
و{يَشَّقَّقُ} أصله: يَتَشَقّق، فأدغم وبالأصل قرأ الأعمش، وقرأ طلحة بن مصرف: {لَمَّا} بتشديد الميم في الموضعين قال ابن عطية: وهي قراءة غير متّجهة.
وقرأ أيضا: {ينشقّ} بالنون وفاعله ضمير ما.
وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون فاعله ضمير {الماء} لأن {يَشَّقَّقُ} يجوز أن يُجْعل ل {الماء} على المعنى، فيكون معك فِعْلان، فيعمل الثاني منهما في الماء، وفاعل الأول مضمر على شريطة التفسير.
وعند الكوفيين يعمل الأول، فيكون في الثاني ضمير، يعني: أنه من باب التنازع، ولابد من حذف عائد من {يشقق} على ما الموصولة دلَّ عليه قوله: {منه}، والتقدير: وإن من الحجارة لما يشقق الماء منه، فيخرج الماء منه.
وقال أيضًا: ولو قرئ: {تتفجّر} بالتاء جاز.
قال أبو حاتم: يجوز {لما تتفجر} بالتاء؛ لأنه أنثه بتأنيث الأنهار، وهذا لا يكون في {تشقق} يعني التأنيث.
قال النَّحَّاس: يجوز ما أنكره على المعنى، لأن المعنى: وإن منها الحجارة تتشقق يعني فيراعى به معنى {لما}، فإنها واقعة على الحجارة.
قوله: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله}.
قال أبو مُسْلم: الضمير في قوله: {وَإِنَّ مِنْها} راجع إلى القلوب، فإنه يجوز عليهما الخَشْيَة، والحجارة لا يجوز عليها الخَشْيَة.
وقد تقدم ذكر القلوب كما تقدم ذكر الحجارة، وأقصى ما في الباب أن الحجارة أقرب المذكورين إلاّ أنّ هذا الوصف ألْيَقُ بالقلوب من الحجارة، فوجب رجوع الضمير إلى القلوب دون {الحجارة}، وفيه بعد لتنافر الضّمائر.
وقال الجمهور المفسرين: الضمير عائد إلى {الحجارة}.
وقالوا: يجوز أن يكون حقيقة على معنى أن الله خلق فيها قَابِليَّةً لذلك، وأن المراد من ذلك جَبَلُ موسى عليه الصلاة والسلام حين تقطع وتجلّى له ربه، وذلك لأن الله تعالى خلق فيه الحياة والعقل والإدْرَاك، وهذا غير مستعبد في قدرة الله تعالى.
ونظيره قوله تعالى: {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قالوا أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21].
فكما جعل الجِلْد ينطق ويسمع ويعقل، فكذلك الجَبَل وصفه بالخشية.
قوله: {مِنْ خَشْيَةِ اللهِ} منصوب المحلّ متعلق ب {يهبط}، و{من} للتعليل.
وقال أبو البقاء: {من} في موضع نصب ب {يهبط}، كما تقول: يهبط بخشية الله، فجعلها بمعنى الباء المعدية وهذا فيه نظر لا يخفى.
و{خشية} مصدر مضاف للمفعول تقديره: من أن يخشى الله، وإسناد الهبوط إليها استعارة؛ كقوله: الكامل:
لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَواضَعَتْ ** سُورُ الْمَدِينَةِ والْجِبَالُ الْخُشَّعُ

ويجوز أن يكون حقيقة على معنى: أن الله خلق فيها قابليّةً لذلك.
وقيل: الضمير في {منها} يعود على القلوب، وفيه بُعْد لتنافر الضمائر.
قوله: {وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ} قد تقدم في قوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}.
قال القرطبي: {بغافل} في موضع نصب على لغة الحِجَاز، وعلى لغة تميم في موضع رفع.
قوله: {عَمَّا تَعْمَلُونَ} متعلّق ب {غافل}، وما موصولة اسمية، والعائد الضمير، أي: تعملونه، أو مصدرية فلا يحتاج إليه أي: عن عملكم، ويجوز أن يكون واقعًا موقع المفعول به، ويجوز ألاّ يكون.
وقرئ: {يَعْمَلُونَ} بالياء والتاء. اهـ. باختصار.